النصف من شعبان.. اغتنموها
استدارة الزمان وكورة الأيام تسوق في دورتها عبراً وعظات تفضي كلها إلى ضرورة الإستكثار من الخيرات واستثمار الدنيا الفانية لتكن ممراً للآخرة الباقية، والإنسان مهما كان مقامه في مدارج السالكين والمتعبدين تأخذه الدنيا فيزيغ بصره ويطغى بما يَرِد عليه من أحوال مهما كانت نيته وتأهله لهذه الواردات فإنه يحتاج دوماً إلى ما يوجهه ويذكره بمقصوده الأسمى فيعود إلى سواء السبيل، وكان من حكمة المولى عزوجل أن جعل لنا ما يعيننا على ما أُوكل إلينا فهيأ لنا نفحات وأمرنا أن نتعرضها ونستفئ بظلالها من حرور الدنيا والآخرة . واليوم بفضل من الله ونعمة تهل علينا ليلة النصف من شعبان، وهي ليلة أحوج ما نحتاج لها ولأسرارها البهية، لما فيها من الخير الكثير والفضل العميم والمعاني الإسلامية العظيمة والمقاصد الفخرى، وتدبر خيراتها هو أولى ما يجب أن نفرع فيه وسعنا.
ولقد ورد في الباب مجموعة أحاديث تدل على أن لفضلها أصلاً ثابتاً كما قال أهل العلم ولذلك وجب علينا أن نتعظ لها ولمقامها الجليل فقد روى الترمذي في باب الصوم عن عائشة رضي الله عنها قالت قام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من الليل فصلى؛ فأطال السجود حتى ظننت أنه قد قبض ، فلما رأيت ذلك قمت حتى حركت إبهامه فتحرك فرجع ، فلما رفع رأسه من السجود وفرغ من صلاته قال : " يا عائشة أو يا حميراء أظننت أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد خاس بك؟ " قلت : لا والله يا رسول الله ولكني ظننت أن قبضت طول سجودك ، قال " أتدري أي ليلة هذه؟ " قلت : الله ورسوله أعلم ، قال : " هذه ليلة النصف من شعبان إن الله -عز وجل- يطلع على عباده في ليلة النصف من شعبان فيغفر للمستغفرين ويرحم المسترحمين ويؤخر أهل الحقد كما هم "!أهــ، فأي شأوٍ هو شأوها وأي فضل هو فضلها وأي مقام هو لها، ليلة كما ورد في حديث آخر عن معاذ بن جبل رضي الله عنه ( يطلع الله إلى جميع خلقه ليلة النصف من شعبان ، فيغفر لجميع خلقه ، إلا لمشرك ، أو مشاحن) أهــ فياله من محروم من حُرم من هذا الغفران ! وهذا الفضل من الملك الديان عفوٌ ومغفرة وإحسان! وانظر إلى مؤهلات هذا التلقي لهذا الفضل أن تكون خارج دائر الإستثناء لا تشرك بالله ولا تشاحن!.
إن المتدبر لما جاء في فضائلها يجدها تحوم حول معاني التسامح والدعوة إليه والتسامي على الصغائر، فإنه نداء رباني لأهل هذه الملة أن لا للبغضاء ولا للمشاحنة، .
فأين مجتمعنا امن هذا النداء وأين نحن منه!، قد خاب من استمرأ لمنهجه التعصب و الغلو وقد خسر من تناسى أن الدنيا فانية وأن موت حق والحياة باطل، أين منا قيم التسامح والتنادي إلى الوصال! أين منا ذلك وكيف لمنهج أو مبدأ أن يقوم على غير ما يدعم قيم تعايش الإنسان وحياته الآمنة.
إننا ندعوا إلى ترك ما يفرق ويشتت والتشبث بالأصول التي تجمع الناس و أن نُعلي هذه القيم التي جاء بها رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم لتشهد الإنسانية خير هذا الدين وهذه السماحة.
ونسأل الله أن يُعيننا على ذلك ولا يحرمنا هذا الفضل، وفي هذا المقام لا يسعني إلى أن أدعوا الله بدعوة سيدي الإمام الأستاذ مولا السيد محمد عثمان الميرغني الختم –رضي الله عنه ورضي عنا به – فنرفع أكف الضراعة للمولى أن يتقبل منا هذا الدعاء في هذه الليلة المباركة:
اللهم يا ذا المن ولا يمُن عليه يا ذا الجلال والإكرام يا ذا الطول والإنعام لا إله إلا أنت ظهر اللاجين وجار المستجيرين وأمان الخائفين، اللهم إن كنت كتبتني عندك في أم الكتاب شقيا أو محروما أو مطرودا أو مقترا علي في الرزق فأمح اللهم من أم الكتاب شقاوتي وحرماني وطردي وإقتار رزقي واكتبني عندك في أم الكتاب سعيدا مرزوقا موفقا للخيرات فإنك قلت وقولك الحق في كتابك المنزل على لسان نبيك المرسل (يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب ) إلهي بالتجلي الأعظم في ليلة النصف من شهر شعبان المكرم التي يفرق فيها كل أمر حكيم ويبرم ، أكشف عنا البلاء والوباء والغلاء والجلاء والعناء ما نعلم وما لا نعلم وما أنت به منا أعلم فإنك أنت العزيز الأعز الكريم الأكرم ، إلهي بقرب السر وبسر القرب اكتبنا في ديوان أهل الحب واكشف عنا الحجب وأنزلنا في بساط القرب وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أهل الطب.
اللهم آمين.
موضوع: ليلة التجلي .. النصف من شعبان 
الأربعاء 05 أغسطس 2009, 4:40 pm
